بعد تجربة علاقة سورية تركية مفتوحة في العام 2008م رأت فيها سورية فيما بعد غلطة الشاطر التي لم تكن بألف فحسب، بل بآلاف من المسلحين والمشردين والمدمرين والعودة إلى الوراء مئات السنين.
واليوم تحاول تركيا تطويع لهجتها الحنونة من خلال عبارات شوق يبثها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمن حوله اتجاه صديقه القديم بشار الأسد، فهل تذيب فعلاً حرارة هذا الاشتياق الخجولة جليد أحد عشر عاماً من القطيعة وخذلان العِشرة لتعود الأيام الخوالي؟
أردوغان من عراب صفر مشاكل إلى تاجر المواقف السياسية
بعد أن صدَّر الرئيس التركي نفسه كرجل الدولة الرشيد والذي يهتم بتحسين الوضع الداخلي لبلده ويبني علاقات طيبة مع دول الجوار، تحول فجأة إلى مراهق سياسي لا يتوانى عن افتعال الأزمات في سياسة تركيا الخارجية.
واليوم بعد أحد عشر عاماً من المراهقة السياسية، بدأ أردوغان يعيد ترتيب أوراقه ويحاول مصالحة خصومه، فردم دماء خاشقجي في طي النسيان وتصالح مع السعودية مصافحاً بحرارة ولي العهد محمد بن سلمان، واستبدل شريان الحياة من بوصلة دعم القضية الفلسطينية إلى وجهة اللحاق بركب الحاجين إلى تل أبيب من أجل التطبيع من الزعماء العرب، حيث استقبلت عائلته العائلة الإسرائيلية في تركيا بحفاوة وقد اعتبر البعض أنه غامر بشعبيته ليس فقط في تركيا، بل كزعيم إسلامي كونه من كبار زعماء الإخوان المسلمين.
ويحاول جاهداً اليوم لملمة سنوات الكراهية بتسول مكاسب المصالحة مع الرئيس الأسد بامتعاض أمريكي ومحاولات تفشيل أو نفوذ وتحقيق مصالح أمريكية خفية من خلال هذه المصالحة، فقد يتحول أردوغان فجأة من لاعب سياسي على الطاولة إلى أداة بيد المحرك الأمريكي.
ما الذي يريده أردوغان من المصالحة مع سورية
تعيش تركيا أزمة اقتصادية شديدة وقاسية مرتبطة بحلقة أزمة سياسية متصلة بموعد اقتراب الانتخابات، حيث يريد أردوغان إسقاط الأوراق ضده من يد منافسيه حتى لو قلّص من حجم الوعود التي ألقاها على عاتقه من تحمل تبعات دعم ما يسمى “الثورة السورية” والتي أفرزت قضية مربكة جداً لتركيا وهي قضية النازحين السوريين.
والأزمة الأخرى التي يعتبرها أردوغان خطراً على أمن تركيا القومي هي قضية الأكراد العدو التاريخي لتركيا والذي تحول من تنظيم إلى شبه دويلة مدعومة أمريكياً في شرق الفرات.
نقاط مشتركة على مائدة المصالحة السورية التركية
يسعى أردوغان إلى تخفيف حدة التوترات في سياساته الخارجية نوعاً ما في وقت يعيش العالم فيه حالة معقدة بين التهدئة والتصعيد، فلا استقرار حقيقي ولا تصعيد استراتيجي ويدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العالم في مخاض ولادة نظام عالمي جديد تمثل الحرب الروسية – الأوكرانية فيه صراع يتعدى حدود الدولتين إلى صراع بين الشرق والغرب، ما يجعل أردوغان ينتظر نتائج الحرب دون الاصطفاف الحقيقي نحو أي معسكر ومعاداة الطرف الآخر.
هذا الأمر يجعله يبحث عن قضايا مشتركة لاستمالة الرئيس الأسد نحو غفران ما مضى وأهم هذه القضايا أولاً: الوضع الاقتصادي، حيث تعيش سوريا حصار خانق اقتصادياً.
ثانياً: خطر قسد على كلا الدولتين السورية والتركية فكما تريد تركيا الحفاظ على أمنها القومي، تريد سوريا الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها.
ثالثاً: الإرهاب الذي مازال تحت كمون الإنعاش في الأراضي السورية والذي قد تحركه أمريكا فيعود ليضرب الاستقرار مجدداً داخل وخارج الحدود السورية كجبهة النصرة في إدلب والمدعومة تركياً، ومخيم الهول في الحسكة.
الخلاصة
من أجل نجاح عودة العلاقة بين سورية وتركيا تحتاج سورية أن تتوخى الحذر وتتأكد من نوايا أردوغان الذي كثيراً ما يبتع في سياساته نهج المتاجرة والمقامرة، خصوصاً بعد مطالبته بتمديد اتفاقية أضنة للتوغل التركي في عمق الأراضي السورية والتي قوبلت برفض سوري قاطع تبعها رسائل في الميدان تجسدت بتكثيف الغارات لمواقع المسلحين على الحدود مع تركيا.
وعلى الدولة السورية أيضاً أن لا تسمح لأردوغان أن يمهد لأحلامه بإعادة السلطنة العثمانية عبر الحرب الناعمة والثقافة من خلال عودة الانفتاح الكلي بين البلدين وألا تسبب عودة اللاجئين بدماغ أردوغاني تركي بحت إلى تحويل ديمغرافي في الأراضي السورية.