قديماً قال العرب في قصائدهم أن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم فكيف إذا كان هذا الشرف هو فلسطين ،أشرس قضية بين الحق والباطل في تاريخنا المعاصر ،لذا صار لزاماً علينا أن نسكب لأجلها دماً لا يشبه أي دم ، دمٌ يسكب بكامل وعينا وإرادتنا تجاه هذه القضية كي يصنع فارقاً حقيقياً ،فيغير خرائط ويصنع معادلات، ويحرر بلاداً.
ويجب أن يعلم القاصي والداني أن فلسطين المحتلة لن تعود دون مشاهد كهذه ودون دم طاهر كهذا، وهو ما يبرر الهستيريا والجنون الصهيوني لدرجة أن أسراه صاروا أهدافاً لطائراته و مدفعيته .
كما أن القيادة العسكرية التي لطالما تبجحت بأن حياة جنودها لا تقدر بثمن، فعّلت قانوناً كان مطوياً في أدراج قيادة الأركان منذ 1985 إبان المعارك مع القيادة الشعبية لتحرير فلسطين يطلق عليه “بروتوكول هنيبال” الذي يسمح للاحتلال الإسرائيلي بقتل جنوده الذين تأسرهم المقاومة الفلسطينية وهذا دلالة واضحة أن الكيان فقد السيطرة العقلية التي كان يتمتع بها سابقاً على أكوام الحديد المكدسة والجاهزة لقتل الأطفال الفلسطينيين وأن الدم الذي سال صار بوصلة جديدة لمشروع كبير اسمه “تحرير فلسطين “.
الثمن على قدر المعركة
أثبتت التجارب أن الاعتماد على أسلوب الأرض المحروقة فقط لا يمكن أن ينجح في حالة الحرب ، وهذا حال الكيان فالإبادة الجماعية للفلسطينيين لن تحسم المعركة وهو ما يعلمه العدو تماماً.
فعلى مدى 17 عاماً كانت غزة تحت وطأة الحصار ،تماماً منذ أسرت المقاومة الفلسطينية “جلعاد شاليط” في حزيران 2006 وإلى الآن غزة دون ( كهرباء ، ماء، محروقات ، أدوية ، وظائف ، بنية تحتية ، حليب أطفال ) ، وباختصار دون أبسط مقومات الحياة .
غزة التي تعد من أكثر المناطق الجغرافية كثافة حيث أن ما يزيد على مليوني إنسان مجتمعون في مساحة لا تزيد عن 360 كم مربع أتيح لهذا الكيان أن يجتاحها متى شاء ويجرب أسلحته الجديدة بكل ما تعنيه الوحشية من معنى.
وتشهد على ذلك عمليات الكيان ابتداءَ بعملية ” الرصاص المصبوب ” في 2008 ومروراً ب عملية ” عامود السحاب” في 2012 إلى عملية ” الجرف الصامد ” في 2014 الى عملية ” حارس الأسوار ” في 2021 وليس انتهاءََ بعملية “الجرف الصادق ” في 2022 .
آلاف الأطنان من الأسلحة والقذائف المحرمة دولياً كالفوسفور الأبيض والأحمر واليورانيوم المخصب في مشاهد يندى لها جبين الإنسانية تأتي من المستودعات الأمريكية القابعة في الأردن وقطر وتركيا ،عدا عن موجة الاغتيالات التي كان الكيان يجهز لها كأجندة مستعجلة لهذه المرحلة بموافقة أوروبية وضوء أخضر أمريكي و دعم عربي خليجي ومصري يراهن على التطبيع.
ذات الحرب مع اختلاف المشاهد:
حرب اعتاد عليها الفلسطينيون، ولكن ما لم يعتد عليه الفلسطينيون والأحرار على امتداد العالم هو هذه المشاهد التي تبث لأول مرّة كمشهد العقيد ” نمرود ألون ” قائد وحدة العمق في الكيان الإسرائيلي تجره رفاق الشهيد ” محمد الدرة” بملابسه الداخلية نحو العمق الغزاوي.
فمن سيحذف مشهد الذل هذا من ذاكرة الكيان بضباطه وصف ضباطه ومستوطنيه وحاضنته الشعبية والعسكرية وهم يرون قادتهم يساقون من داخل مواقعهم في فلسطين المحتلة وتحديداً من حدود غزة تماماً كما تساق الإبل.
هذا المشهد ومثله الكثير من مشهد “الزحمة في مطار بن غوريون” أو مشهد الحافلات وهي تحمل نازحي الشمال من “سديروت” وغيرها نحو الداخل الفلسطيني المحتل، لن يمحوها حتى “الزهايمر” من ذاكرة الاحتلال.
التفوق العسكري لحماس في “السرية”
لم يعتد الصهاينة على هذا النوع من الاحتراف العسكري من المقاومة الفلسطينية في التجهيز و التكتيك والأكثر من ذلك هو السلاح الذي قتل به الصهاينة في طوفان الأقصى والذي تم التكتم عليه بدرجة عالية من “السرية” حيث بقي الأمر محصوراً ببضعة أشخاص من قادات الصف الأول ك ” محمد الضيف” و “يحيى السنوار” وهذه صفعة قوية لمخابرات الكيان من ( موساد ، وشاباك ، وامان ،و شين بيت ) التي ثبت فشلها بأبسط الأدوات وبأساليب مخابراتية بسيطة وبدائية للمقاومة الفلسطينية .
وتشير التقارير إلى أن أجهزة العدو تجهل إلى اليوم كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية خرق كل الأسلاك الشائكة و جدار فصل عنصري يغوص 9 أمتار تحت الأرض و مثلها فوق الأرض، بلغت تكلفته 7 مليار دولار وخرقته المقاومة في غفلة عن “غرفة عمليات غزة ” و “أبراج المراقبة” و “كاميرات فائقة الدقة” و “طيارات ال MK” .
كما يجدر التنويه إلى أن العدو تحدث عن ما يدعى “سايبر أتاك” التي قامت بتعطيل منظومة المراقبة في مطارات الكيان لمدة 4 ساعات، ووجه إصبع اتهام تفتقد إلى الدليل نحو إحدى دول المحور .
طوفان الأقصى ومسارات التطبيع العربي
ما قبل الطوفان ليس كما بعده ، وتاريخ الصراع العربي الصهيوني سيكتب له فصل جديد بدماء فلسطينية خالصة وطاهرة، وصار لزاماً على أولئك الذي كانوا يحثون خطاهم نحو التوقيع مع الكيان أن يعيدو النظر في فكرة “إسرائيل ” قاطبة كوجود ،وصار بوسعنا أن نرسم مسارات جديدة لهذا النضال العربي ضد ما يسمى “إسرائيل” وهذا تماماً ما أشار إليه حكماء المحور وقادته المؤمنين بقضية فلسطين تمام الإيمان.
لا عاصم اليوم من طوفان المقاومة ولن ينفع الكيان حاملة الطائرات الأمريكية ” جيرالد فورد” ولا طائرات ال F16 و لل F35 ولا حتى جوقة المطبعين العرب ، “طوفان الأقصى” هو رسالة قصيرة المدى وطويلة الاستراتيجيات بانتظار الحرب الكبرى التي ستزيل الكيان عن الوجود ببركة هذه الدماء التي لم ولن تذهب هدراً ، لقد فار التنور الآن وصارت القدس على مرمى حجر منا.